Pages

mercredi 8 juin 2011

أربعة وأربعون 44 عاما على النكسة

روان الضامن
أربعة وأربعون 44 عاما
 على النكسة
صبيحة الخامس من حزيران/يونيو وفي الساعة السابعة وخمس وأربعين دقيقة صباحا قصف سلاح الجو الإسرائيلي الطائرات المصرية في أرضها، فجثمت بلا حراك، مما أصبح فيما بعد أشهر لقطة لما سيتعارف عليه بمصطلح "النكسة"، لأنها لم ترق لأن تكون "حربا" بين طرفين، بل احتلال افتخرت إسرائيل أنه أنجز في ستة أيام!
كانت حصيلة الاحتلال على مستوى الأرض، احتلال الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة والجولان السوري وسيناء المصرية، وتهجير أكثر من 300 ألف فلسطيني، كثير منهم أصبحوا لاجئين للمرة الثانية. وليشترك الفلسطيني والسوري والمصري معا في معاناة الاحتلال الإسرائيلي، ولتشعر ثلاث دول عربية هي الأردن وسوريا ومصر أنها ثلاثتها أصيبت بسهم في القلب، ولتصبح بيروت على مرمى حجر من الاحتلال الذي وصلها لاحقا، وليصبح السكين الذي غرس في قلب الوطن العربي أعمق.
إذ في السادس من يونيو شق الجيش الإسرائيلي طريقه محتلا غزة ومكملا طريقه لسيناء، وفي السابع من يونيو دخل موشيه ديان وإسحاق رابين باب المغاربة في القدس القديمة ورفعوا العلم الأبيض ذا الخطين الأزرقين مع النجمة الزرقاء على أسوار القدس، واشتهرت ثاني صور النكسة الأرشيفية، ومع القدس احتلت مدن الضفة الغربية، ولذا نشأت – طفلة – والسابع من يونيو يشكل لي ذكرى أليمة، لأنه اليوم الذي دخلت فيه الدبابات الإسرائيلية مدينتي "نابلس" في الضفة الغربية، لم أعش الحدث، لكنني سمعت القصة مرارا وتكرارا من والدتي وجدتي، لدرجة أنني أشعر اليوم أنني تجرعت مرارة ذلك اليوم..
 كشفت لي دراستي فيما بعد أن البعض مثل مركز باسيا في القدس وثق بجدية بعض جوانب هذا التاريخ جيدا، لكن كتب التاريخ أخفت عنا الكثير، فبعض الجوانب ما زال محظورا التحقيق فيها، والبعض الآخر ما يزال ينتظر أن يوثقه أحد. ومن الأمثلة على ذلك أن أيا من كتب التاريخ المعروفة لم تكتب أن الدبابات الإسرائيلية دخلت مدينة نابلس من الشرق، لا من الغرب، تحمل العلم العراقي (!) وأن الجنود الإسرائيليين كانوا يتكلمون العربية، مما جعل الفلسطينيين للوهلة الأولى يصفقون للدبابات القادمة قبل أن ينكشف أمر الخديعة الإسرائيلية. وأن أيا من كتب التاريخ لم توثق أن أول منزل استقبل الجنود الإسرائيليين في مدينة نابلس كان منزل "ريموندا الطويل"، التي كانت تعرف بأنها صحفية آنذاك، مؤيدة للتطبيع مع الإسرائيليين، ولم يكن أحد يعرف أنها ستكون لاحقا "حماة" ياسر عرفات (!) ولم يحقق أحد في الأوامر التي وصلت الجيش الأردني في الضفة الغربية لينسحب قبل دخول الجيش الإسرائيلي بأسبوع. ولم تشف كل التحقيقات الصحفية في فساد الجيش المصري آنذاك غليل القلب لنفهم كيف ضربت الطائرات المصرية كلها معا، ومن المسؤول عن أسر الجنود المصريون والذي لم يحرك ساكنا حين قتل الأسرى في صحراء سيناء فلم يطالب حتى بعظامهم.
ومن الأمثلة على ما قصد أن يخفى أيضا حتى على المستوى الأمريكي أنه في اليوم التالي لاحتلال القدس الشرقية، أي الثامن من يونيو قصفت إسرائيل سفينة أمريكية في المياه الدولية شمال سيناء فقتلت ثلاثة وأربعين من البحرية الأمريكية والمارينز، وتبقى الأسئلة حتى اليوم تحوم حول التحقيقات الأمريكية والإسرائيلية فيما حدث
وحل يوم التاسع من يونيو، وكان يوم جمعة، ليضع الاحتلال الإسرائيلي الحواجز التي تعيق المسلمين من الصلاة في المسجد
الأقصى، والمسيحيين من الصلاة في كنسية القيامة، وليبدأ التضييق على الصلاة في "مدينة الصلاة". ومساء العاشر من يونيو كان الجولان السوري قد احتل بالكامل. وفي الحادي عشر دمر الجيش الإسرائيلي قرية بيت عوا قضاء الخليل مفجرا منازلها بالديناميت، ليتبع ذلك محو ثلاث قرى فلسطينية هي بيت نوبا ويالو وعاموس، وطرد سكانها، اليوم مكان القرى يقع متنزه "بارك كندا" ليستمتع السواح الذين يزورون إسرائيل بالمسطحات الخضراء. وفي نفس اليوم، كان سكان حارة المغاربة الملاصقة للحائط الغربي للقدس يمنحون مهلة ثلاث ساعات لإخلاء بيوتهم قبل أن تهدم الجرافات الإسرائيلية الحي. بعيد ذلك بأيام سمح لليهود الإسرائيليين بالوصول إلى الحائط الغربي، حائط البراق (حائط المبكى)، بينما يقبع المسلمون والمسيحيون تحت منع التجول في القدس. وفي نفس الشهر أقر الكنيست الإسرائيلي القدس الشرقية في وضع قانوني مختلف عن بقية أراضي الضفة الغربية، وفي صيف نفس العام بدأت أولى الحفريات الإسرائيلية تحت الحائط الجنوبي للمسجد الأقصى. بالتوازي عملت إسرائيل على شطب ما تريد من المناهج الدراسية للقدس والضفة الغربية، بينما كانت القمة العربية في الخرطوم تعلن وقفة موحدة في وجه الاعتداء الإمبريالي الصهيوني.
تغفل كتب التاريخ كثيرا الحديث عن التحضيرات الإسرائيلية لاحتلال باقي فلسطين، فمنذ إنشاء إسرائيل عام 1948 لم تعلن لها حدودا لأن الفكر الصهيوني كان يهدف دائما إلى التوسع، وكان التحضير للحرب مستمرا حتى وصل أوجه قبل عام، أي في 1966، إذ في ذلك العام ألغت إسرائيل الحكم العسكري عن فلسطيني الداخل (أصحاب البلاد) استعدادا لنقل قوة عملها إلى أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، وقامت بعملية كبيرة لاستكمال هدم القرى والأحياء العربية التي أفرغت من أهلها في المدن المحتلة أثناء النكبة 1948. 

وفي عام 1966 أيضا افتتح المبنى الجديد للكنيست الإسرائيلي في القدس، كانت الحكومة الإسرائيلية آنذاك مكونة من جيل الصهاينة المؤسسين لإسرائيل، جولدا مائير رئيسة للوزراء وآبا إيبان وزيرا للخارجية، وليأتي موشيه ديان وزيرا للدفاع، ومعه 
  رئيس أركانه إسحاق رابين، وكلهم من الجيل الذي شارك في التطهير العرقي عام1948
وحتى عمليات "الاختبار" للقصف والتهجير المحدود كانت إسرائيل مستمرة فيها، ففي ربيع عام 1966 قصفت مقر الشرطة الأردني قرب جسر الملك حسين وقتلت 11 مدنيا، وفي صيف عام 66 جربت إسرائيل النابالم في سوريا فقتلت أما وطفلها، وفي شتاء عام 66 أغارت على قرية السموع قرب الخليل وقتلت 50 فلسطينيا. ولعل من صدف القدر أن شهد عام 1966 وصول حافظ الأسد إلى قيادة سلاح الطيران، ومقتل الرئيس العراقي عبد السلام عارف.
وليس خافيا أنه حتى اليوم ليس لدى إسرائيل دستور، أو حدود معلنة، وقد وصلت الحفريات تحت المسجد الأقصى إلى حدود يصعب معها التكهن بالمدى الذي يمكن أن يستمر بعده الأقصى واقفا دون أساسات، وقد استولت المستوطنات الإسرائيلية في داخل الضفة الغربية على أكثر من نصف مساحة الضفة الغربية حاليا، من خلال ما سمي ب"المجال الحيوي" للمستوطنات مما جعل الفلسطينيين يعيشون اليوم في كانتونات في قرى ومدن معزولة عن بعضها جغرافيا وحيويا، وجميع المدن والقرى هي تحت 
 الاحتلال الإسرائيلي الذي يتحكم سياسيا واقتصاديا وثقافيا، ويهدم الحجر ويقلع الشجر ويقتل البشر ويعتقلهم
ولكي لا نحيد عن عام 1967، عام دراستنا في هذه الزاوية، فإنه مع شتاء عام سبعة وستين كانت إسرائيل قد سيطرت على أكثر من90 % من آبار المياه في الضفة الغربية. ومع الشتاء في الولايات المتحدة، وبعد أشهر من النقاش، وصل مجلس الأمن إلى 
 القرار الشهير رقم (242) والذي ينص على وجوب انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلها عام سبعة وستين.
عل لعبة الأرقام التي يحبها البعض في أن نضيف "اثنين" على "اثنين وأربعين" ستعطينا رقم أربعة وأربعين، (42+2) ذكرى النكسة هذا العام، وهو رقم يراه البعض رقم شؤم، إذ يخاف الأطفال في فلسطين من حكايات "أم أربعة وأربعين"، فهي كثيرة الأرجل سامة في كثير الأحيان... لكنهم لا يعرفون أن الكبار قد تسمموا منذ أربعة وأربعين عاما وما زالوا يفكرون كيف يزيلون السم الذي دخل إلى أجسامهم، سم لم يقتل لكنه أنهك إذ تغلغل، سم شوه الصورة والإحساس، فأن تعيش تحت الاحتلال يعني أن تتجرع مرارة أن يتحكم العدو في موعد دخولك أو خروجك إلى مدينتك، مدينتك التي لم ترتكب ذنبا تغتسل بالحزن كل يوم بينما يسير 
 السم في أحشائها كل دقيقة... إنه سم ينخر في كل ساعة وفي كل يوم منذ 44 عاما... لكن الحكاية لم تنته بعد.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire