mercredi 10 août 2011

محاكمة الفرعون

أوّل حاكم عربي في القفص 2/1
رشاد أبوشاور
إذا كنا لم نتوقع انفجار الثورات العربيّة، وفوجئنا، فدهشنا، وانعقدت ألسنتنا من شدّة الفرح بما نشاهد من امتلاء الشوارع والميادين بالجموع الزاحفة لانتزاع الحرية، غير هيابة من بلطجية الأنظمة، ورصاص أجهزتها الأمنية..فإننا لم نكن لنتخيّل أن نرى رئيس أكبر دولة عربيّة في القفص، يحاكم على الهواء مباشرةً، وفي نقل حي للفضائيات المصرية التي عادت لتنقل صوت شعب مصر، وبطولاته، وفصول ثورته.
من قاعة المحكمة في أكاديمية الشرطة، يوم الأربعاء 3 آب/اغسطس استمتع ملايين العرب بالمشهد غير المسبوق في التاريخ العربي المعاصر: محاكمة محمد حسني مبارك، الرئيس المخلوع رغم أنفه، بتضحيات ثوّار 25 يناير في ميدان التحرير، وكل ميادين المدن المصرية.
يا له من مشهد ما كان للمخيلة أن تجمح فتتوقعه: حاكم عربي في القفص، ممددا على سرير ـ لا يمكن وصفه بسرير الشفاء ـ مجردا من أي مجد، وأبهة، وفخامة، وحرس، وأجهزة يتقافز قادتها لتأمين أمن السيّد الرئيس، برهانا على الولاء والجدارة بالمنصب، ولزوم الهيبة ودّب الخوف في القلوب.
يا له من مشهد: الفرعون الذي تحنّط على الكرسي منذ العام 1981 وحتى العام 2011، تماوت على السرير موتا ثعلبيا تمسكنا ومخادعة واستجداءً لعواطف الجماهير الطيبة التي أدمن قهرها، وزهقت من سماجة أساليبه ورداءتها..محاولاً استغلال طيبتها رغم قتله لمئات فلذات أكبادها.
مطّ المخلوع رأسه ليرى إن كان يعرف أحدا من الحضور، وبدا أنه غير مصدق بأنه في قاعة محكمة حقيقية، وأنه في القفص، وأنه غير محترم، فمملكة شرم الشيخ انهارت، وشعب مصر هو من أصرّ على محاكمته، وهو من يطالب بقصاص عادل رغم كل جرائمه هو وأركان حكمه من العدلي إلى حسين سالم الهارب بالمليارات في إسبانيا

بعض الحضور، ولكن رأسه يعود فيسقط من اليأس، فهو بلا أصدقاء، بلا هيلمان، فلا وجه صديق بين الحشد الذي يملأ قاعة المحاكمة التاريخية المشهودة، والتي ينطبق عليها: فضيحة وعليها شهود..ليس في مصر وحدها، بل في العالم كله.


يا لها من نهاية، وخاتمة مخزية!
 
ليس للمخلوع من يتعاطف معه، ويأسى لحاله، سوى الأصدقاء الأوفياء في تل أبيب، فالكنز الاستراتيجي 'بح'!..والآتي لا يبشر بخير، فمصر تعود لشعبها، وقرارها يعود ليد أهلها، وجماهير مصر النبيلة لا تفكّر بعقلية الثأر، رغم كل ما اقترفه الطاغية وزبانيته، ولذا أصرّت على محاكمته وفقا للقانون، وأمام قضاء عادل، وبحضور محامين يدافعون عنه
أوّل حاكم عربي يدخل القفص مذلاً مهانا، بعد أن جرّع الأمة كلها كؤوس المهانة، وفتت صفوفها، وباع قضاياها، وحوّل مصر إلى دولة للفساد، حتى بشهادة أمريكية رسمية، لأن فساد حكمه ما عاد ممكنا التستر عليه، مع كل الخدمات التي أسداها لرعاته الأمريكان.


يوم 3 آب/اغسطس 2011 سيبقى في ذاكرة ملايين العرب بعامة، وشعب مصر العريق بخاصة، فكل شعب عربي له ثار عند هذا المفتري ونظام حكمه، وفي المقدمة شعب فلسطين، وقائمة التهم الفلسطينية (لرئيس الغفلة) تبدأ ولا تنتهي، فهو لم يكتف بمحاصرة أهلنا في قطاع غزة، ولكنه دفع بالقيادة الفلسطينية لتقديم التنازل تلو التنازل للكيان الصهيوني، لأنه كان معنيا بالتخلص من القضية الفلسطينية، وتصفيتها نهائيا.. وخلاص بلا وجع دماغ
 
عن جريدة القدس العربي 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire